تنبيه بإنذار
ـــــــــــــــــــــ
الاستغناء المكذوب سمة واضحة ترفرف في سماء البشرْ ، والغِنَى الحقيقي متجه ناحية ربِّ القُوَى والقُدَرْ ، ولكن الإنسان تعود التجبر وإنقاص كل من سواه ، ساواه أو أعلاه ، فكأنه مجبول على هذا .
ولو نظر إلى حقيقته لعلم أن الإنسان خُلق أصنافا ليحتاج بعضهم إلى بعض ، لأن الاستغناء في ميدان البشر إيقاف ، والقول بغير هذا دخول في ظلمة الأحقاف .
أضف إلى هذا أن الصانع دائما هو الذي من صفاته القهر والاستيلاء ، والتعامل بما شاء عفوا أو استعلاء ، كما هو الحال لرب الأرض والسماء .
فإذا صنع العبد شيئا كان له الحق المكفول في العلو ، والرتبة المحفوظة في ساح السمو ، فإنما تنسب الصنعة له ، وإنما يأتي التكرم له ، ويدوم الأثر في الأرض له ، فكلما ذكرت الصنعة ذكر الصانع .
فالواجب على من خلق ليحتاج ، أن يسلك كل الفجاج ليقابل ويتعرف لئلا ينكر جمالات الحياة وما فيها من محسنات أوجدها الله وأحيانا لنحياها .
وما تعج به حياتنا من استنكارٍ لجملة الحياة إنما هو ناتج من إغفال عين الرؤية المجتمعية السليمة ، وإغلاقٍ لباب تعارف التراحم الذي أراده ربنا العلي .
والحق سبحانه إذا نادى إنما يكون النداء تخصيصا أو تعميما ، فلما أراد أن يتكلم عن قانون سير الحركة الخياتية للناموس الكوني نادى معمما بالنداء على كل الناس ، فقال في سورة ” الحجرات ” والتي أسماها علماء الإسلام سورة ” الأدب ” لأن بها وبالأخذ بآياتها وقوانينها تتحرك سفينة الحياة في سلام .
فقال سبحانه ( يأيها الناسُ إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم )
فسلب الله من الناس حق الحكم ، ليتفرد سبحانه بالحكم ، من الرفيع ومن الوضيع ، من الكريم ومن اللئيم …..
فتجردْ من معاني الإنانية الفردية الحمقاء ، وتحلى بجمال المعاني الإنسانية العلياء .
وصدق الله إذ يقول عن الإنسان ( كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ) فرغم أن الله سخر له جميع الكائنات ليكرمه ، وهو يعلم أنها لو خُيرت لأهلكته ، ومع ذلك يتكبر ويتجبر .
قال سبحانة في سورة الشورى
( ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير )
فلو بسط الله له الرزق لاستغنى بعطاء الله عن الله ، والله قادر أن يدمره ببرغوث يقلق به راحته .
وتذكرت هنا البلاء والوباء الذي عم أهل الأرض ، وبذكره أذكر قول الله منبها حتى لا يقول إنس ولا جان أن الله يعذب دون امهال ولا إنذار ، فقال سبحانه ( قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض )
فلا تستطيع أن تستغني عن البشر لأن بهم تعاش الحياة وبدونهم تتوقف الحياة ، حتى ولو كانت الحياة الروحية والراحة القلبية بين يدي الله ، فراحة الجسد على الأقل وحياته في تعاملات البشر ، ولا تستطيع غنى عن الله فهو واهب كل شيئ .
إقرأ أيضا:أفكار مشاريع غريبةفعش بين جنبات الحياة مع الناس ، واستعن على العيش حلوه ومره برب الناس ، تأخذ جمال الحياة ، وتنل الرضا يوم المعاد عند الله ، واعلم أن لله صفات جمال وصفات جلال ، فاجعل عملك كسب صفات الجمال ، وبناء سد يقيك من صفات الجلال ، تصل الى رضا الكبير المتعال